الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالأصل في الهدية أنها مستحبة كما قال صلى الله عليه وسلم في حديث عائشة رضي الله عنها: «تهادوا تحابوا»، وقد قبل النبي صلى الله عليه وسلم الهدية مراراً ففي الصحيحين من حديث أنس: أنّ يهودية أهدت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة مسمومة، وفي البخاري أن ملك آيلة أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم بغلة بيضاء وكساه برداً.
لكن جاء الشرع بمنع أنواع من الهدايا كالهدايا مقابل القروض وكهدية من تولى ولاية من قبل ولي الأمر، ومن ذلك هدية الطالب لمعلمه فهي من هدايا العمال التي لا تجوز سواء كانت بعد رصد الدرجات وظهور النتائج أو قبل ذلك وسواء كانت بقصد الإنتفاع من المدرس بنحو المراعاة أثناء التصحيح أو كانت بقصد مكافأة المدرس وبره فقط.
دليل ذلك: حديث ابن اللتبية فعن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه قال: إستعمل النبي صلى الله عليه وسلم رجلا من الأزد يقال له ابن اللتبية على الصدقة فلما قدم قال: هذا لكم، وهذا أهدي لي، قال: «فهلا جلس في بيت أبيه أو بيت أمه فينظر يهدى له أم لا؟ والذي نفسي بيده لا يأخذ أحد منه شيئا إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته إن كان بعيرا له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاه يتعر» ثم رفع بيده حتى رأينا عفرة إبطيه: «اللهم هل بلغت اللهم هل بلغت» ثلاثاً.
والاستدلال به من وجهين:
=أولاً: دل الحديث على أن كل من يتقاضى أجراً من بيت المال مقابل عمله فلا يجوز له أن يأخذ شيئاً زائداً على ذلك مقابل عمله ويدل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من إستعملناه على عمل فرزقناه رزقاً فما أخذ بعد ذلك فهو غلول» رواه أبو داوود.
=ثانياً: في الحديث دلالة على تحريم أخذ العامل هدية من غير تفصيل فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستفصل هل أخذ الهدية بعد إنتهاء المعاملة وأخذ الصدقات أو قبل ذلك، وهل كانت الهدية بقصد التوصل بها إلى مراعاة الجابي أو لا.
قال في مرقاة المفاتيح: قال ابن الملك يعني لا يجوز للعامل أن يقبل هدية لأنه لا يعطيه أحد شيئا إلا لطمع أن يترك بعض زكاته وهذا غير جائز ا.هـ، ويمكن أنه يعطى لغير هذا الغرض أيضا لكن حيث أنه يعطى من حيثية العمل وله أجرة العمل من هذا المال فليس له أن يأخذ من جهتين.
كما أنه لا يخفى أن التفريق بين من قصد المكافأة ومن قصد التوصل إلى نفع من المُهْدَى إليه يفتح باباً لإعطاء الموظفين والقضاة وغيرهم الهدايا بزعم أنها ليست رشوة بل بقصد المكافأة. قال ابن تيمية في رسالة المظالم المشتركة معلقا على حديث ابن اللتبية:
فلما كان الْمُعْطُونَ الْمُهْدُونَ إنما أعطوه وأهدوا إليه لأجل ولايته جعل ذلك من جملة المال المستحق لأهل الصدقات، لأنه بسبب أموالهم قُبض ولم يخص به العامل الذي قبضه.
قال ابن القيم في البدائع معلقا على حديث ابن اللتبية:
فدلت هذه الكلمة النبوية على أن الهدية لما دارت مع العمل وجودا وعدما كان العمل سببها وعلتها لأنه لو جلس في بيت أبيه وأمه لإنتفت الهدية، وإنما وجدت بالعمل فهو علتها.
وفي المفهم للقرطبي: وهذا الحديث يدلّ دلالة صحيحة واضحة على أن هدايا الأمراء والقضاة وكل من ولي أمرًا من أمور المسلمين العامَّة لا تجوز، وأن حكمها حكم الغلول في التغليظ والتحريم، لأنها أكل المال بالباطل، وَرُشًا.
مسألة:
فإذا أخذ المدرس هدية من الطالب ففيما يصنع.
بها خلاف قال ابن مفلح في المبدع: فقيل: تؤخذ لبيت المال لخبر ابن اللتبية، وقيل: ترد إلى مالكها، ولعل الأقرب أن ترد إلى مالكها فإن تعذر ففي بيت المال أو يشتري بها شيئاً تحتاجه المدرسة.
مسألة:
أما الهدايا التي تكون بين المدرسات والمديرة إذا كانت متبادلة وجرت العادة بها مع المديرة قبل تعيينها وبعده فهذه جائزة إذ ليست بسبب كونها مديرة.
الكاتب: د. أحمد الخليل
المصدر: موقع رسالة الإسلام.